الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة حوار مع الفنانة والكاتبة آمال سفطة: فـجـرت حيـاتـي «الدُّودُمّة» وأنـا فـي الخمسيـن

نشر في  23 جانفي 2018  (11:31)

صــــارت حياتــي تأمّـــلا مضــاعـــفــا فــــي الـــخــلــق وفي الإعجاز القــــــــــرآنـــي

أخطر شـيء في الحياة هو العقيدة

انقلبت موازين محنتي الى منحة

منذ اكتشاف إصابتها بسرطان الثدي الذي قلب موازين حياتها، حملت الممثلة والكاتبة والمبدعة آمال سفطة على عاتقها أنبل المهام وهي أن تكون صدى كل الصرّخات المكتومة للنساء اللواتي وجعهنّ الألم وأرهقهنّ تحمّل مشاق هذا المرض، لتصبح بذلك أيقونة التحدّي ورمزا للمرأة الصامدة التي انتزعت الأمل من قلب الغيوم المظلمة...
آمال سفطة كان لها حدث مع مجلة أخبار الجمهورية فتحت فيه قلبها المليء بعقيدة الإيمان والعزيمة التي لا تفنى أبدا، فكشفت من خلاله تفاصيل معاناتها السابقة مع آفة السرطان التي اعتبرت أنّه تحوّل في نظرها من محنة إلى «منحة» وهبها الله إليها لاستخلاص العبر والغوص في عالم الهداية.

- «مدام» آمال سفطة، في إطار الحديث عن تجربتك مع مرض السرطان الذي انتصرت عليه -والحمد لله- هل لك أن تخبرينا في أي سن اكتشفت إصابتك به؟
لقد زلزلتي صفعة الرحمة حتّى لا أقول فجّرت حياتي «الدُّودُمّة» أي ورم السرطان الخبيث وأنا في سنّ الخمسين. وكانت المفاجأة بل الصدمة تحديدا يوم 09 جويلية 2007.
- وماهي أبرز الأعراض التي شعرت بها آنذاك؟
قبل ظهور التشخيص، امتدّت أعراض مرض سرطان الثدي على أشهر عديدة وكان ذلك بتدرّج كالتالي :
· تعب مفرط
· تغيّر حجم الثديين
· تغيّر لون الحلمة (رأس الثدي)، وانكماشها
· ميل أبيض العين إلى الاصفرار
· القيء المتكرّر
· ميل القيء إلى الاصفرار والاخضرار
· ظهور غير عادي للغازات
· النوم طيلة النهار
· ظهور «كعبُورة» في أعلى ثديي الأيمن بحجم جوزة وكان لمسها مؤلما قليلا.
- كيف كانت ردّة فعلك وردة فعل المقربين منك عند علمكم بتلك الإصابة؟
لقد تقبّلت خبر إصابتي بالمرض الخطير ككلّ امرأة تأتي من أرجاء الجمهورية النائية قاصدة مستشفى صالح عزيّز بالعاصمة التونسية. للأسف الشديد، كان الإعلان عن التشخيص متهاونا بل عنيفا إلى حدّ أنه أصابني في الإبان الإسهال وعند الوصول إلى البيت القيء.
لم أبك. فقد خيّم صمت كثيف عميق ثمّ عمّ البيت بأسره.
- وماهي أهم التغيرات التي حدثت في حياتك بعد اكتشاف إصابتك؟
بدأت التغيّرات -إثر اكتشاف إصابتي- من خلال مظهري الخارجي الذي فتكت به لمسة من الإهمال. وشيئا فشيئا تضخّم قياس الخصر وظهرت تجاعيد على وجهي ثم بقع داكنة وثانية وثالثة هنا وهناك. ولكن اليوم ونعم بالله، كل شيء عاد إلى مجراه الطبيعي.
وانقطع التواصل مع الخارج، بما فيها  مع المرحوم منجي الشملي لمدّة تناهز ثمانية أشهر. عامّة، لم يعد الهاتف يرنّ ! كل حياتي أصبحت مرتبطة بالصحّة: مستشفيات، عيادات، مراكز تصوير، أطبّاء، إدارة مختصة، كنام (CNAM)، صيدليات، أدوية مختلفة وبلا حساب، إدارة الجامعة التي أنتمي إليها، إلخ.
 لقد حرصت أن أؤثّث وقت فراغي بترددي على أقرب مدرسة موسيقى، وفي غضون سنة 2008 أصبحت أراوح بين هذه المدرسة ومدرسة قرآنية كنت أتابع بعض الدروس فيها دون أدنى انتظام (حسب ظروفي الصحيّة من ناحية ونزوتي من ناحية أخرى) ودون حجاب كذلك إلى موفى سنة 2012. لكن وبتاريخ 05 ديسمبر 2012 قررت الالتزام.

- هل تغيّرت علاقتك مع الحياة بعد ذلك؟
صارت حياتي تأمّلا مضاعفا في الخلق وفي الإعجاز القرآني. لقد تحرّرت من كلّ القيود بفضل عبوديتي للّه وحده. اتّقوا فراسة المؤمن فإنّه يرى بنور القلب.
- وكيف باتت أيضا علاقتك مع المال والمظاهر والتقاليد الاجتماعية؟
إنّ تطبيقي ـ هذه السنوات الأخيرة ـ لأركان الإسلام قلب كلّ الموازين رأسا على عقب. لأنّ الله تعالى قال:
- «مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا» (الإسراء: 15)
- «إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» (القصص : 57)
- «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ» (الأنعام : 50)
- كيف أضحت علاقتك مع العقيدة؟
العقيدة هي أعمق منطقة في الوجدان بل هي منطقة حرّة لا يعرف كنهها إلاّ العبد وخالقه ولا يقدر عليها غيرهما. قال عزّ وجلّ « وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ» (الملك : 13).
علم الكلام هو العلم الذي يبحث في العقيدة، ومن أهمّ مباحثه: التوحيد، الإيمان، والغيبيات. وللعقيدة بالغ الأهميّة لأنّ دورها جوهري في حياة الإنسان. إذ هي القلب النابض لكلّ من العبادات والمعاملات.
- لنتساءل ما الذي يحرّك سلوك الإنسان يا ترى؟
أخطر شيء في الحياة هو العقيدة. هي بمثابة عروق الشجرة والعبادات جذعها، والمعاملات أفنانها، والأخلاق ثمارها. إذا وجدت إنسانا منحرفا فإنّ عقيدته فاسدة، إذا فأساس الاستقامة أن تملك عقيدة صحيحة.
- وكيف ذلك؟
مثلا : عندما يتمكّن المحامي من المفاهيم القانونية بفضل معرفته للمصادر، يصبح قادرا على حسن تطبيقها على الواقع الإجتماعي. أمّا إذا لم يستوعب تلك المفاهيم نظريّا فهو يفشل في تطبيقها على القضيّة المطروحة عليه ممّا يجعله ووكيله ضحيّة سوء استيعاب للنصوص القانونية.
بالقياس، البحث عن العقيدة الصحيحة واكتسابها يكون بقراءة الذّكر، فإذا توغّل الإنسان برفق في الكتاب (وتدبّر واستنبط لمن استطاع له سبيلا) صحّت مفاهيمه. وعلى كل منا أن يبحث في صحّة مفاهيمه أخذا بالأثر : «(...) دينُك دينُك، إنه لحمُك ودمُك، خذ على الذين استقاموا ولا تأخذ على الذين مالوا».
إنّ صحّة هذه المفاهيم هي التي تُرسي القيم والمأمور به والمُنهى عنه، فالحاجة الماسّة إلى عقائد دفعت المجتمعات الغربية إلى ما نسميه إيديولوجيات.
وعلى مستوى التربية الدينية ودور عقيدة التوحيد في تربية النشء في بلادنا، لقد سُعدت منذ سنة تقريبا بظهور دروس في العقيدة الإسلامية وأخيرا ببرمجة دروس جديدة لأول مرة مخصّصة للتدبّر في القرآن الكريم لما في ذلك من منافع جمّة إعادةً لتكوين المجتمع البشري وبناءً له على أساس اعتناق الفضيلة ومحاربة الرذيلة : «الم ذلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ» (البقرة : 1-2).
عندما يصبح كل فرد في المجتمع مؤمنا حقّا وقولا وعملا يصبح مجتمعه تبعا لذلك أفضل المجتمعات، تتحقّق فيه المدينة الفاضلة التي تغنّى بها الفلاسفة والمصلحون عبر العصور وعجزوا عن تحقيقها.
من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليّاً مرشداً. «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ» (الحج: 46).
- عادة ما نلاحظ حالة من الإحباط وشيئا من اليأس تصيبان النساء اللواتي يعانين من مرض السرطان، لكنك كنت رمزا ومثالا للعزيمة والإصرار على هزمه فماهو السر ّ؟
الحمد لله على كل حال : لقد انقلبت موازين محنتي إلى منحة. لقد انتقلت شيئا فشيئا من مدرسة المرض إلى فقه المرض إلى أن أًوغلتُ برفق في الكتاب العزيز. فما توفيقي إلاّ بالله جلّ جلاله.
- هل من مصدر إلهام وقوة تحدثيننا عنه؟
ما من شكّ أنّي أستمدّ قوتي من الصيام والقيام وتلاوة البيان وممّا يُطفئ غضب المنّان.
- هل ان الخالق هو اله للرحمة والحب أم هو اله للعنف والتشدّد ـ كما يعتبر البعض ـ؟
إنّ الإسلام دين السّلام. وبسملتنا تتضمّن «الرحمان الرحيم» فبأسمائه الحسني وصفاته العليا الفضلى الله ذو الجلال والإكرام هو الخالق... الودود... الرؤوف... الغفّار... اللطيف... الحليم... الغفور...العدل... الحقّ... السّلام...
«ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ « (النساء: 147).
- بعد انتصارك على المرض، هل من رسائل توجّهينها إلى النساء اللواتي أصبن به؟
الدعاء هو مخّ العبادة والصدقة تبعد البلاء.  
«وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ/ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ» (الطور : 48 ـ 49).
- ماذا تقولين للجمهور الذي أحبك ومازال يحبك على الدوام؟
إنّ الجمهور التونسي في مقام عنواني ووطني. نذرت له حياتي إلى حدّ نسيان حياتي الخاصّة. وما حبّنا المتبادل على الدّوام سوى فضل ونعمة وكرامة من الله سبحانه وتعالى.
اللهم اجعلني شكورا واجعلني صبورا واجعلني في عيني صغيرا وفي أعين الناس كبيرا. واللهم اجعلني مفتاحا للخير وأَجْرِ الخير على يديّ. وأجعلني مباركا أينما كنت.
وإلى من تفانيت في حبه أقول كلمتي وأمضي: يا أمّة اقرأ، استمسكي بلغتك الأمّ وبأسوة سيّد الخلق وبالعُروةُ الوُثقى.
- في الختام هل من كلمات تودين قولها؟
وفي الختام أُؤكّد: قل الله واستقم، وأضيف: اللهم أصلح حالنا وبالنا ووحّد كلمتنا وصفوفنا واللهم ارحم موتانا واشفي مرضانا.

حاورتها: منارة تليجاني